أخطأ رئيس الحكومة اللبنانية الحالية الدكتور حسّان دياب باعتماد دراسة شركة "لازارد" المالية منطلقاً لخطّة اقتصادية تعوّل على صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، مؤتمر "سيدر" واعادة هيكلة لمصرف لبنان ينتج عنها اقتطاع من ودائع اللبنانيين وغير اللبنانيين في المصارف اللبنانية؛ كما أخطأ في تبنّي خطة مبنية على "اصلاحات" لا بدّ ان ترتكز على سنّ قوانين لا ترتقي الى مستوى التطور التشريعي والتنموي والامني المنشود منها، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر فرض ضرائب جديدة وتعديل قانون الدفاع الوطني لتقليص ميزانية السلك العسكري. الواقع المعيشي والامني اللبناني يؤكد انّ العديد من القوانين المطروحة لن تمرّ في المجلس النيابي، ما يستتبع سقوط الخطة المالية والاقتصادية المحفوفة باخطاء رقمية. انها ارقام قد تدفع الكثيرين للاستقلالة من داخل الحكومة وخارجها. تشير المعطيات ان حلقة الاستقالات في الايام القليلة المقبلة لن تتوقف عند مدير عام وزارة المالية الدكتور الان بيفاني.
غير واضح حتى الساعة لماذا تستمرّ حكومة حسان دياب في التمسّك بموقعها ولا تستجيب لمطلب كثيرين لها بالاستقالة وذلك على الرغم من دراماتيكية الاوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية والامنية والمجتمعية!.
يوافق معنيّون بالشأن العام اللبناني أنّ أداء الحكومة التسويفي والتقييمي للعديد من الملفّات الداخلية والخارجية يفاقم من تصاعد حدّة الازمة اللبنانية، سيّما انّ الوقت الضائع يفتح الباب امام التدخل الدولي بتفاصيلٍ هي بالاساس بحت لبنانية، كما يحوّل لبنان مسرحاً لصراعات وفوضى اجتماعية خلاّقة كانت وما زالت مطلوبة من قبل جهات دولية لزعزعة الاستقرار والسلم الاهلي، وذلك لمصلحة مشروع تقسيم لبنان.
وأيضاً، أشار بعض المطلعين على الاوضاع السياسية اللبنانية ان المرحلة الحكومية الراهنة هي أشبه بتصريف الاعمال لحين التوافق الاميركي-الايراني على تأمين البديل. يلوح اسم الدكتور محمد بعاصيري النائب السابق لمصرف لبنان كقرار اميركي لرئاسة الحكومة المقبلة. يتضمن هذا التلويح ردّاً اميركياً مع رسائل عدّة بأكثر من اتجاه على رفض الحكومة تعيينه نائباً حالياً للحاكم رياض سلامة. التقى البعاصيري منذ ايام السفير السعودي في لبنان.
ما هو موقف المملكة العربية السعودية ومعها دول خليجية من الازمة اللبنانية وماذا تنتظر؟.
نتوقف عند المحطّات التالية:
أوّلاً-في العامين ٢٠٠٨ و ٢٠٠٩ شهد القطاع المصرفي اللبناني تدفّقاً كبيراً للاموال الخليجية باتجاهه نتيجة ازمات ائتمانية حلّت في الاسواق الخليجية، لا سيما في النظام المصرفي حيث تفاقمت خسائر مصارف تجارية عربية في اكثر من دولة نفطية. أعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في العام ٢٠٠٩ انّه خلال فترة سنة تمتدّ من حزيران ٢٠٠٨ الى حزيران ٢٠٠٩ دخل الى المصارف اللبنانية ١٥ مليار دولار . خلال عام ونصف تبين ان ودائع المصارف اللبنانية ازدادت ١٨ مليار دولار. اليوم، هل تراكمت الودائع الخليجية أم انخفضت وتقلّصت؟ يبقى الرقم النهائي لمجموعها طيّ الكتمان وبحماية قانون السرّية المصرفية التي يتغنّى به النظام المصرفي اللبناني، بينما يُعمل حالياً للأسف على شلّه وضربه تحت شمّاعة مكافحة الفساد وذلك حتماً لمصلحة الانظمة المصرفية في العديد من دول الجوار.
بالعودة الى السياسة المالية والنقدية للحكومة الحالية، إنّ اقتراح فرض"Hair Cut” او "Bail Out” على الودائع كما طرح "الضريبة التصاعدية على الثروات" ومن كلّ الجهات التي صدر عنها الحكومية والحزبية يصيب حتماً، فيما لو تحقّق، الودائع الخليجية. هذا ما يرفضه المودعون العرب.
السؤال المطروح: هل حُوّلت الودائع الخليجية من لبنان الى الخارج قبل فرض الـCapital Control؟! أم ان هذا التدبير بحدّ ذاته منع إخراج الاموال الخليجيّة ضمن اجراءات حماية الاحتياطي النقدي الاجنبي في مصرف لبنان؟.
ثانياً-في العام ٢٠١٨ خسر تيار المستقبل مقاعد برلمانية نتيجة الانتخابات النيابية اللبنانية التي تمّت وفق قانون حديث شبه نسبي. تراجعت حصّته من ٣٦ نائب الى ٢٠ في البرلمان الحالي. يُسرّب في الأوساط السياسية أنّ رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل هو مَن أقنع رئيس تيار المستقبل سعد الحريري بالتصويت على قانون الانتخاب الجديد بعد ان كان هذا الاخير قلقاً وغير واثق من حماسة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بالقانون.
بالنتيجة، تلقّى تيّار المستقبل ضربة سياسية اعتبرها الحريري طعنة وخيانة له من العهد، الذي لم يكن ليتحقق دون التسوية مع الحريري وما يُمثل.
المملكة العربية السعودية اعلنت عدم رضاها على اكثر من لسان. عشية نتائج الانتخابات النيابية يصرّح اللواء السابق في الاستخبارات السعودية أنور عشقي لوكالة "سبوتنيك" الروسية حرفياً ما يلي:
"هناك أمور كثيرة بدأت تتغير في لبنان، حزب الله أصبح لديه قوة سياسية، السعودية تراقب بحذر، وسنرى ماذا سيحدث على الساحة، وإذا كان ذلك في صالح حزب الله، فإن المملكة ستنأى بنفسها عن لبنان، وهذا سيجعل وضعه الاقتصادي صعبا".
إذاً، بالنسبة للسعودية، إنّ الوضع الاقتصادي الصعب تبعاً للنأي بالنفس السعودي هو النتيجة الموازية للانتخابات النيابية اللبنانية.
كيف يؤثر دور الودائع الخليجية؟.
ثالثاً: في العام ٢٠١١ وعقب ثورة ٢٥ كانون الأوّل تعرّضت مصر لأزمة مالية كبيرة نتج عنها نقص للعملة. أقدمت حينها دول الخليج الثلاث: السعودية، الإمارات والكويت على انقاذ المصرف المركزي المصري ومعه القطاع المصرفي والاقتصاد عبر مدّه بودائع نقدية وصلت الى ١٨ مليار دولار اميركي توزّعت كالآتي:
•خمسة ودائع للسعودية من العام ٢٠١٢ حتى ٢٠١٧ بلغت قيمتها ٨ مليار دولار .
•خمسة ودائع للامارات بلغت قيمتها ٦ مليار دولار تستحق على اقساط حتى ٢٠٢٣.
•خمسة ودائع للكويت بلغت قيمتها ٤ مليار دولار تستحق على اقساط حتى حزيران ٢٠٢٠.
مصر تتفاوض مع الدول الخليجية المودعة حول تمديد مدة الدين بهدف عدم السداد الحالي.
ماذا عن لبنان؟ في ٢٥ من الشهر الجاري اعلن وزير الدولة الاماراتي أنور قرقاش بحديث الى محطة "CNBC" ان الامارات العربية المتّحدة لن تفكر بمساعدة لبنان الا بالتنسيق مع دول أخرى، وانّ لبنان يدفع جزئياً ثمن تدهور علاقاته مع الدول العربية والخليجية على مدى السنوات العشر الماضية.
أمّا في العلاقات اللبنانية-الكويتية، كان آخرها مع الحكومة الحالية حيث وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون بين الدولة اللبنانية والصندوق الكويتي للانماء الاقتصادي والاجتماعي بقيمة 165 مليون دولار.
تتقاطع المواقف الخليجية مع تلك الاميركية لا سيما تلك التي تصدر عن وزير الخارجية مايك بومبيو حول حزب الله ودوره في السياسة والاقتصاد اللبناني.
ولكن، تعرف دول خليجية عدة ومن بينها السعودية أن التقارب الاميركي-الايراني المشروط هو عنوان المرحلة القادمة. تقارب يتضمن بعض التسويات التي تمتد لاكثر من دولة ومنها لبنان. تقارب يفرضه منطق القوّة من كلّ الجهات ولا شكّ انه سيؤسس لتسوية قائمة على إبعاد منطق "الاستئثار" و"الإقصاء" عن النظام السياسي الحاكم في لبنان من أي جهة حزبية او طائفة او مذهب كان.
يبقى السؤال: ماذا لو تعثّر التقارب الاميركي-الايراني على عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب فيما لو أُعيد انتخابه؟.
الصورة هنا تبدو قاتمة اكثر ولا شكّ انها سترسم بالدماء سايكس بيكو جديد.
الخليج اليوم يؤنّب لبنان ماليا ويترقّب المتغيرات الدولية والرسالة صريحة: لا ودائع خليجية في لبنان قبل انتخابات نيابية اخرى تحيي الدور الخليجي السياسي في لبنان، كما لا حلول اقتصادية قبل تغيير دياب واقفال الستارة على حكومات اللون الواحد.
حتى الساعة أُقفِل على لبنان الحلّ العربي، امّا الحلّ الشرقي فيبدو حبّاً من طرف واحد، وأُقفلت الابواب والنوافذ بوجه الحكومة التي تصارع رياحا لا تشتهيها السفن لا الغربية ولا الشرقية لا الداخلية ولا الخارجية.